 |
| ما هو السعي وراء الكمال |
يقول الروائي الفرنسي “|ألفريد دي موسيه|” أنَّه على الإنسان ألا يسعى وراء |الكمال| في أيّ شيء، لا في الحب ولا في الجمال ولا حتى في |السعادة|، لكن بالأحرى عليه أن يحب فكرة الكمال، فيكون إنساناً محباً وجميلاً وسعيداً، فالكمال لله وحده، ولذلك علينا أن نفهم أن هناك فرق بين الكمال وبين السعي نحو الكمال.
– ما هو الفرق بين الكمال والسعي نحو الكمال؟
إن السعي نحو الكمال هو أمر مطلوب وصحي، طوال ما كان دافعنا في الحياة هو التطور والارتقاء بالذات، والسعي نحو الأفضل، ولكن المشكلة الكبرى تظهر عندما يكون السعي نحو الكمال نوع من الوسوسة نوع من المرض بهدف أن يلقى الإنسان القبول من مجتمعه اي الغاية منه فقط إرضاء الناس أو التكبر عليهم، فالإنسان يسعى نحو الكمال باعتباره مراعاة لإحساسه الداخلي بالنقص، ويسعى طوال الوقت لكي يعوضه، فهناك الكثير من الناس نعلم أنهم يلبسون أفضل الماركات حتى إن لم يكن لديهم المال لشرائها، وذلك بغرض التباهي أمام الآخرين ولكي يشعرون بأنهم كاملين وكأن هذه الثياب تضيف لهم قيمةً كبيرة في حياتهم.
– كيف تحب نفسك وتتقبلها؟
تقول أسماء ابنة الفنان المصري شريف منير على صفحتها في فيس بوك، لطالما الناس المحيطة بها يقولون لها بأن أنفها كبير جداً، فهذا حطم ثقتها بنفسها، وقامت بالتفكير بأن تقوم بإجراء عملية تجميلية لكي تعوض هذا النقص، واضطرت لكي تتعلم |فن| المكياج وأصبحت خبيرة فيه لكي تداري كبر أنفها وتعلمت كيف تصغر أنفها بواسطة برنامج الفوتوشوب، ولكن فجأة قالت بنفسها بأنها إنسانة غير كاملة وعيوبها جزء منها وعليها أن تتعلم حب نفسها، فقامت بتشبيه وجهها بلوحة جميلة لبيكاسو، فمن الممكن وجود تفصيل صغير فيها لا يعجبك ولكن هذا لا يعني بأن تأتي بالألوان لتغير هذه التفاصيل، بل عليك أن تقبل باللوحة كما هي.
تابع معنا أهم وجهات نظر الفلاسفة عن السعي نحو الكمال وهل لمثالية والكمال تعتبر السبب في أن تعيق العباقرة..
 |
|
|
– ماذا يقول كريستيان؟
الفيلسوف الألماني |كريستيان فولف| الذي عاش حتى القرن الثامن عشر، اعتقد أن الجمال متضمن في الكمال، وبالتالي أي شيء كامل لابد أن يكون بالضرورة جميلاً لأنه يجلي السعادة للنفس، فقام المفكر الإنكليزي |آدمن بيرك| بالرد عليه وقال بأن هذا الكلام فارغ، فالجمال شيء والكمال شيء آخر، وضرب مثلاً بأنوثة المرأة فالأنثى الهشة والرقيقة، أكثر جمالاً في عين شريك حياتها، أي أن عندما أظهرت ضعفها أصبحت أكثر جمالاً، وبعد مئتين وخمسين سنة على هذا الكلام انتصرت رؤية بيرك، فمحلات فيكتوريا سيكريت تعاملت مع عارضات plus size لعرض منتجاتهم وذلك لأن أجسادهم كان الأقرب للنساء العاديات من عارضات الجسم المثالي.
– بسبب تنافس مجتمعاتنا الحديثة بشكل دائم فنحن كأولياء أمور نساهم في إفشال أبناءنا، كيف ذلك؟
أحياناً يكون الطالب متفوق لكنه في المدرسة وفي الإختبار يفشل، وذلك لأنه خائف بأنه هو ليس الأفضل بين زملائه ومن كثرة الضغط الذي يقع عليه والمسؤولية، ومن كثرة |المثالية| والرعب والتهديد التي نمارسها في حقنا وحق أبناءنا، وبالتالي نكون السبب الأكبر في فشلهم في الحياة.
– هل السعي للكمال يعيق العباقرة؟
السعي للكمال قد يعيق |العباقرة| بشكل كبير، فالأديب التشيكي |فرانس كافكا| نشر أعمال قليلة في حياته ولاقت هذه الأعمال صدى نقدي واسع ولكن في داخل التشيك فقط، ولكن أشهر الروايات مثل النسخ والمحاكمة ظلت مسودات داخل الدرج، وأوصى صديقه ماكس برود بأن يحرقها بعد وفاته، لكن الصديق الوفي نشرها ولولاه لما حصلت الإنسانية على هذه الأعمال العظيمة، وأيضاً الفنان الفرنسي |كلود مونيه| قبل عرض ثلاثين لوحة في معرض باريسي كبير قام بتدميرها كلها، ويروى أن قبل وفاته أوصى ابنة زوجته بتدمير حوالي ستين لوحة أخرى، وللأسف قامت بتدميرها بالفعل على عكس صديق كافكا.
 |
| ما هو السعي وراء الكمال |
– ماذا يقصد بكلامه لوتشيلو؟
كان يفسرها من مبدأ أن الأشياء إذا أصبحت كاملة ستصبح جامدة، لكن الأصل أن الأشياء في كوننا غير كاملة وأنها تتغير وتتطور مع الوقت، فالإنسان مثلاً يسعى طوال الوقت لكي يتطور إلى الأفضل لكي يكون كاملاً، وهذا السعي في رأي فانيني هو الكمال بعينه.
– ماذا يعتقد أرسطو الكمال؟
أرسطو وبعدها الفيلسوف |توما الأكويني| لديهم تعريف للشيء الكامل بأنه الشيء الذي يؤدي الغرض المطلوب منه بدقة، فمثلا ً يمكننا أن نقول بأن السكين مثالية عندما تقوم بقطع الأشياء بسهولة وسرعة، ويمكن القول بأن السيارة مثالية عندما تتحرك لنقل الناس بسرعة وعندما يكون محركها من النوع الممتاز، وكذلك الإنسان الكامل هو الشخص الذي يعرف ما هو الهدف المطلوب منه في حياته ويسعى لكي يحققه، فأرسطو يرى أن غرض الإنسان هو التحلي بالأخلاق، والأكويني قال أنه عبادة الله.
– كيف للسعي نحو الكمال أن يدمر حياة الإنسان؟
إليكم هذه القصة الصغيرة، كان هنالك طالباً مجتهداً في المدرسة ومن أجل إرضاء أهله حصل على مجموع تسعة وتسعين بالمئة في الثانوية العامة، لكن عوضاً أن يدخل كلية الطب توجه نحو الإعلام فقط وذلك لأنه ملُل من أن يكون |شخص مثالي| كما يتوقع منه الآخرون، فاجتهد خلال سنواته الجامعية في إحدى الدول العربية وتخرج بتقدير ممتاز يؤهله كي يلتحق بالتدريس الجامعي في الكلية ذاتها، والمفاجأة أنه قدم إستقالته من منصبه كمعيد وكان ذلك لأنه أراد تشويه الحياة الكاملة التي تمناها له أهله، والمشكلة أنه إلى الآن لا يعرف ماذا يريد أن يفعل، فهو يعمل فقط لكي يعيش ويرى أن الكمال هو التخفيف من العبء، فالصحبة الجميلة والقراءة الجيدة هما مفتاح الكمال في حياته.
أحياناً الأشياء غير الكاملة أكثر ندرة وأغلى ثمناً من الأشياء الكاملة، مثلاً في أمريكا صدر طابع في عام 1918 اسمه جيني المقلوبة وهو صور لطائرة من طراز gn4 لكن مقلوبة، واكتشف هذا الخطأ وتم سحب النسخ ولكن بقيت نسخ نادرة تباع الواحدة منها بحوالي مليون دولار والسبب هو وجود فيها عيب، ولهذا يقول |مصمم الأزياء| |يوجي ياماموتو| أنه يعتقد أن فكرة الكمال قبيحة ويريد أن يرى في الأشياء التي يصنعها الإنسان عيوباً وفشلاً وخللاً وتشوهاً.
تعليقات
إرسال تعليق