القائمة الرئيسية

الصفحات

أخر المواضيع

فتاة تتكلم بلغة يفهمها كل البشر مع أنها لم تنطق بكلمة واحدة منذ عام ٢٠٠٣

حدثت هذه القصة لفتاتين ديفيا ونيارلي وستروي لنا القصة ديفيا 

– تتكون عائلتي من أمي وأبي وأختين صغيرتين أحبهما كثيراً، أختي الصغرى عبقرية بكل معنى الكلمة، فقبل بلوغها عامها الثالث العشر، صنعت جهاز وبالرغم من أني درست الفيزياء إلا أني لم أستطع فهم هذا الجهاز، وكل ما أعرفه أنه في صيف عام ٢٠٠٣، |قوانين المادة| و|الكتلة الذرية| لم تعد تؤثر على جسدها، فقد أصبحت قادرة على |الاختفاء| عن عيون البشر، وأصبحت تتكلم لغة يفهمها الجميع، وحتى اليوم لم نستطع أن نتعرف على هذه اللغة أو نتكلم بها.

– وقبل أن أخبركم بالقصة، سأروي لكم مدى |العبقرية| التي تمتعت بها أختي، بالرغم من أني اعتبر من |الأشخاص الموهبين|، وأكثر الأشخاص ذكاءً في مجال دراستي بشهادة الجميع إلا أنني أقف عاجزة وأشعر بالغباء مقارنة بها. 

تعتبر عائلة ديفيا موهوبة بشكل خاص وملفت

كان والدي جراح أعصاب، ووالدتي تعمل في |سبيس إكس|، وأختي الكبرى فنانة وعرضت أعمالها في أكبر المعارض منذ أن كان عمرها ١٢عاماً، أما أنا |باحثة فيزيائية| في أكبر جامعة والتي لا أستطيع ذكر اسمها حتى لا أخاطر بعملي، وهذا الكلام الذي أقوله ليس من باب التفاخر ولكن حتى تستطيعوا معرفة وتخيل لأي درجة كانت أختي نيارلي تجعلنا برغم كل ما نملك نشعر بالغباء وأننا كالأطفال المغفلين.

– في عام ٢٠٠٣، كان عمري حوالي ١٧عاماً، وكانت ميولي واهتماماتي مختلفة عن الفتيات اللواتي في نفس عمري، فلم أستمتع أو أحب ما يحبونه كالتسوق والذهاب للمتاجر الكبرى، وكنت أستمتع فقط بالدراسة. 

– وفي أحد الأيام كنت أعمل على أحد الأبحاث خاصتي، وكنت مندمجة فيه لدرجة أني لم أشعر بكل ما يحدث من حولي، فجأة سمعت صوت أختي نيارلي من خلفي وهي تقول ” هل تعلمين أن جميعهم مخطئين؟”.

– وأختي نيارلي كانت عادتها سيئة جداً، فدائماً ما تتجاهل أن تطرق الباب قبل دخولها، فلم يكن لديها احترام للحدود والخصوصيات، وبالرغم من كثرة تنبيهي لها لهذا التصرف، إلا أنها دائماً ما تكرره، وبالرغم من تركيزي فيما كنت أقوم به، قلت لها كم مرة تحدثنا عن موضوع طرق الباب قبل الدخول، وكان جوابها مزعج جداً بالنسبة لي، فقد قالت “أوه تصدقين لم أفكر أبداً في هذا الموضوع”.

-والتفت خلفي وكان لدي استعداد لأصرخ عليها بشدة، ولكني تفاجأت جداً، فقد كانت نيارلي غير موجودة، ولا أحد غيري في الغرفة، واعتقدت أن هذه مجرد تهيؤات وتخيلات من التعب فربما أرهقت نفسي أكثر مما ينبغي، والتفت نحو مكتبي لأكمل ما أقوم به، وفجأةً سمعت صوتها وهي تضحك !

وحاولت البحث عنها ولكن الغرفة كانت فارغة تماماً.

هل كان هناك سماعات في الغرفة

– وقلت لها بصوت مرتفع “أين أنتِ أيتها الطفلة الغبية” فأجابتني ” أنا هنا”، ولكن أين فأنا لا أراها، هكذا حدثت نفسي، وكان صوتها واضح وكأنها أمامي مباشرةً، وقلت لها” كيف تفعلين هذا أين تختبئين؟ هل وضعتي سماعات هنا مرة أخرى؟”، وتركت كل شيء بين يدي، وبدأت بالبحث في كل زاوية من زوايا الغرفة، فقد صنعت من قبل نظام سماعات معقد جداً، وقامت بتوزيعه داخل الغرفة بطريقة ذكية جداً، حيث أنه كان بإمكانها إصدار أصوات من أي مكان تختاره، وكانت توهمني بأنها تتحرك في المكان، وكان شيئاً مذهلاً بالفعل، وكان عمرها في ذلك الوقت ١٠سنوات فقط.

– ولكن هذه المرة لم أستطع إيجاد السماعات، فكيف استطاعت إخفائهم بكل هذه الاحترافية، وعندما كنت أبحث عن السماعات كنت أسمع صوت ضحكاتها وسخريتها مني، وقالت” لا يوجد سماعات هذه المرة أنا موجودة هنا”، وغضبت منها جداً وسألتها بصوت مرتفع أين أنتِ وكيف فعلتِ ذلك؟ وكان ردها مزعج جداً بالنسبة لي حيث قالت ” للأسف من الصعب أن أشرح لك”.

– وكانت هذه طريقة نيارلي عندما كانت تريد أن تخبرني أنه من الصعب علَي فهم ما ستقوله حتى لو قامت بالشرح، لكنني كنت عنيدة وطلبت منها أن تحاول، ربما استطعت فهم شيء ما، وبالفعل حاولت وعندما انتهت من كلامها الذي لم أفهم منه شيئاً، شعرت بصداع في رأسي، فقد كانت تتكلم عن الكثير من الأشياء، مثل انعطاف الأبعاد والذبذبات الذرية والتزامن الفائق وتوازي بلانك الأعلى كما أطلقت عليه، كل هذه الأمور لم يستطع عقلي استيعابها، حاولت تجميع أفكاري وسألتها كيف وصلتِ إلى هنا، وأجابتني بكل برود ” بالمشي”.

– وبسبب أجوبتها بدأت بالصراخ عليها وأنا أشير إلى الباب المقفل، والجدران المحيطة بالغرفة، وكررت سؤالي وكان جوابها “أوه ! كل ما فعلته أنني مشيت بالمكان الخالي من الجدران”.

 أغمضت عيناي محاولة استيعاب ما تقوله، وسمعت صوت تنهيداتها وكانت من نوع خاص، تنهيدة شخص يحاول أن يخبرك أنه أذكى منك، وأنه يحاول أن يقلل من شأنه ليصل لمستواك، محاولاً أن يشرح لك شيء أعلى من مستوى عقلك وتفكيرك.

– شعرت بالقليل من الإحراج في تلك اللحظة، بالرغم من أنني أعلم أنها أذكى مني، لكن تنهيداتها جعلتني أشعر بغباء شديد.

فهل كان هناك سماعات في الغرفة؟

فتاة تتكلم بلغة يفهمها كل البشر مع أنها لم تنطق بكلمة واحدة منذ عام ٢٠٠٣ - اختيار الصورة وفاء المؤذن
 فتاة تتكلم بلغة يفهمها كل البشر مع أنها لم تنطق بكلمة واحدة منذ عام ٢٠٠٣
 اختيار الصورة وفاء المؤذن 
– كانت تنهيداتها مزعجة بالنسبة لي، وجعلتني أشعر بالغباء، وبدأت تشرح لي بأنها سارت في مكان ليس فيه جدران، فالجدران ليست موجودة في كل مكان، وأنها تسير خلال هذه الأماكن، وكنت ما زلت غير قادرة على استيعاب ما تقصده بهذه الأماكن.
– ولكنني بدأت استوعب المفهوم العام ولو بشكل مبهم، وكأنها كانت تتكلم عن شيء يخص الأبعاد أو العوالم الموازية، وكنت أتمنى لو كان أمامي دليل أو شيء محسوس لأفهم الموضوع أكثر، فمن الواضح أن الفكرة التي كانت تتحدث عنها تجريدية، ولكن عقلي كان يفكر بطريقة خطية تتعارض مع مفهوم هذه الفكرة.

أخت ديفيا الكبرى سانا فنانة و اعتقدت أنها تستطيع فهم هذه المواضيع

 لأن عقلها كان يتفق مع الأمور التجريدية والتي تحتوي على التحرر والإبداع، أما أنا فكان عقلي يميل للأمور الرياضية أكثر، ومن الصعب أن يستوعب |المنطق| من هذا المفهوم، وعلى ما يبدو أن الحيرة كانت واضحة على ملامحي، مما دفع نيارلي أن تكمل ما بدأت به وقالت” أن المكان والكيفية التي توجد فيها، كل ما حولها  له حالة وجود وعدم وجود في نفس الوقت، وأنها فقط تراقب الأماكن والترددات التي تصف حالتها بعدم الوجود، وذهبت إلى ذلك المكان، وعلى سبيل المثال فقد دخلت إلى الغرفة عبر الجدران التي كانت حالتها تتسم بعدم الوجود.
– وكل ما أخبرتني به ساعدني قليلاً على استيعاب المفهوم الأساسي للأشياء التي تتحدث عنها، ولكن بالمصطلحات الفيزيائية التي أعرفها، كانت كلماتها عبارة عن كلمات علمية مخلوطة ببعضها البعض من دون أي معنى، فكل ما قالته ليس له علاقة بالعلوم المعروفة، بالرغم من وجود |مفاهيم فيزيائية| مثل مفهوم قطة شرودنجر كانت قريبة من الكلام التي قالته، والفرق أنها بالنسبة لي مجرد مفاهيم نظرية، ولكنها كانت تتحدث عنها على أنها واقع، وكان شيء يفوق استيعابي، مثلاً أخبرتني بأنها كانت تأكل الآيس كريم وهي مقلوبة، وظلت تردد كلمة بنفسجي وهي معكوسة ثلاثين مرة ! .

كل الأفكار والمبادئ والمفاهيم العلمية التي تعرفها ديفيا أصبحت بلا قيمة في تلك اللحظة

 وفكرت قليلاً ثم سألتها “هل لازال لديكِ جسد؟ وهل تستطيعين رؤية نفسك؟” وكانت إجابتها نعم وشكلي الآن وكأن هناك مئة نسخة مني فوق بعضهم البعض، وعندما أرى يدي أو أي جزء آخر من جسدي أشعر وكأني في حالة هلوسة.
– وقلت لها جميل جداً ولكن لا أعلم ماذا أفعل بهذه المعلومة، وهنا ضحكت نيارلي بطريقة مزعجة وتصيب من يسمعها بالتوتر، ونظرت للأعلى وبدا الانزعاج على وجهي، وقلت لها ماذا الآن؟ ، فقالت لي لا أصدق أنكِ لم تلاحظي حتى الآن، ولم أستطع أن أخفي نبرة الغضب على صوتي، فيكفي أنني لم أستوعب حتى الآن كيف استطاعت أن تخدع |قوانين الفيزياء| وتخترق الجدران وتختفي عن العيون، لأي مرحلة وصلت في غبائي.
– وبصوت هادئ قالت لي” بأي |لغة| أنا أتكلم الآن؟ ” فاجئني سؤالها، وأجبتها بصوت مستغرب وبنبرة بديهية تتكلمين اللغة الإنجليزية، سمعتها وهي تضحك مرة ثانية، وبدأت تثور أعصابي، وقلت لها بنبرة الأخت الكبرى التي تأمر “قولي أي شيء”، وهنا بدأت نيارلي تردد عبارات شعرت أنني قد سمعتها من قبل، وحاولت أن أفكر من أين جاءت بهذه العبارات، واستطعت معرفة أنها اقتباسات من أحد الكتب الهندية، وبما أن عائلتنا أصولها هندية فكنت أفهم اللغة الهندية قليلاً، وحاولت التركيز على أصوات الكلمات، كنت أشعر أن المعاني تدخل إلى رأسي باللغة الإنجليزية، لكن الأصوات التي تصدر منها لم تكن بلغتنا، وكانت صعبة الوصف والشرح وحتى الفهم.
– وكان الاقتباس الذي أخذته من كتاب هندي، من المستحيل أن يترجم للإنجليزية بهذه الطلاقة، ولا أستطيع أن أصف لكم بماذا كنت أشعر، فقد كنت أسمع الكلام باللغة الهندية والمعاني تدخل لرأسي بالإنجليزية، بينما كانت أصوات الكلمات التي تصدر منها عندما أركز عليها لم تكن هندية ولا إنجليزية.
-كان شعور غريب جداً، وكنت كمن يرى ألوان كثيرة لأول مرة في حياته، وسألتها بالرغم من حالة الصدمة التي أصابتني
” كيف تفعلين هذا؟ هل أنتِ تتكلمين بالهندي وأنا أترجم الكلام للإنجليزية بدون أن أشعر؟”، وضحكت نيارلي مرة أخرى وقالت” شيء عجيب أليس كذلك؟ فأنا لا أتكلم بالهندي ولكنني أفكر بالكلمات الهندية فقط، فماذا كنتِ تسمعين؟”
 استغرقت دقائق وأنا أفكر، وقلت لها أنني أشعر أنني أسمع الإنجليزية على الأقل من ناحية المعاني، ولكن عندما أركز على أصوات الكلمات لا أستطيع معرفتها، حتى أنني لا أستطيع تقليد هذه الأصوات، وردت نيارلي بنبرة متحمسة هذا غريب!
-كانت هذه التجربة مع نيارلي بالنسبة لي تجربة خارقة للعادة، كانت شيء لا يمكن للعقل استيعابه، واستمرت بزيارتها لغرفتي وهي على هذا الحال عدة مرات، فهل كانت هذه التجربة حقيقة أم |خيال|؟
أم أن ديفيا كانت تصيبها حالة من التهيؤات؟
فتاة تتكلم بلغة يفهمها كل البشر مع أنها لم تنطق بكلمة واحدة منذ عام ٢٠٠٣ - اختيار الصورة وفاء المؤذن
 فتاة تتكلم بلغة يفهمها كل البشر مع أنها لم تنطق بكلمة واحدة منذ عام ٢٠٠٣
اختيار الصورة وفاء المؤذن 

ما هو سبب وقوف ديفيا إلى جانب نيارلي في هذه التجربة تحديداً

-وكانت تأتي بهذا الحال إلى غرفتي عادةً في آخر الليل عندما ينام الجميع، حتى لا تثير الشكوك حولها خاصةً، وأنها منعت بأن تقوم بتجاربها ومشاريعها، لأن آخر مشروع قامت به تسبب بأضرار كبيرة، وكلف عائلتي آلاف الدولارات لإصلاح ما قامت به.
– ودائماً أكون ضد إكمال تجاربها، لكن هذا الموضوع كان مذهل لدرجة أن فضولي غلبني، وأصبحت شريكة لها في هذه التجربة الغريبة، وفي إحدى الليالي كنا نحاول تسمية بعض الأشياء، ونحاول تعريف الأصوات، وكيف أسمعها مقارنةً بالكلمات الأصلية، وفجأةً تجمدت نيارلي في مكانها، شعرت بذلك بالرغم من أنني لا أستطيع رؤيتها، أصبحت ساكنة بشكل غريب وكأنها اخترقت الأرض أو خرجت من خلال الجدران وتركتني بمفردي.

 ما هو الشيء الغريب الذي قطع خلوة ديفيا ونيارلي

-ولكن بطريقة ما شعرت بوجودها بالمكان، ولكنه لم يكن الشيء الوحيد الذي شعرت به، فقد أحسست بوجود ثاني لا يمكن وصفه، شعور غريب غير من جو الغرفة بالكامل، وبدأت أشعر بالخوف، والتفتُ نحو الاتجاه الذي كان يأتي منه صوت نيارلي، وهمست بصوت منخفض جداً” هل أنتِ هنا؟”، وكنت منتظرة منها أي رد، وفجأة سمعت همس بصوتها “صه”  لدرجة أنني سمعتها بصعوبة، وشعرت بقلقها وخوفها.
– واتبعت تعليماتها والتزمت الصمت، ولم أتحرك من مكاني أبداً، وبدأ قلبي يخفق بسرعة وكنت أشعر بوجود شيء غريب ينتشر بالغرفة، لم يكن شيء محسوس ولكنه عبارة عن وجود غريب شعرت أنه يخرج من زوايا الغرفة، شعرت بوجود |كيان| ثاني موجود في المكان، مختفي بالظل، وكان إحساسي بهذا الكيان وكأن شيء مفترس يراقبنا، منتظراً أي حركة أو صوت.
– ومازلنا أنا ونيارلي في الغرفة بدون أي حركة أو همسة، وحاولت أن أركز على الساعة المعلقة على الجدار لأخفف من حالة القلق والخوف التي أشعر بها، فحركة عقارب الساعة كانت تشعرني بالهدوء، وفي لحظة من اللحظات ما بين منتصف الليل والساعة الثانية صباحاً، غلبني النعاس ولم أصحو إلا على صوت نيارلي تهمس بأذني محاولة أن تعيدني للواقع، وبدأت أستعيد الوعي، وأنا أشعر بشعور غريب من حلم راودني، ولكنني غير قادرة على تذكر تفاصيله.
– وعندما كانت نيارلي تحاول إيقاظي قالت لي بصوت هادئ ” لقد رحل”، وكنت أحاول أن أتخلص من النعاس الذي استحوذ عليَّ، وقلت لها من الذي رحل! . ومرت فترة طويلة دون أن تتكلم نيارلي، لدرجة أني شعرت بما أن كل ما حصل مجرد حلم، ولكن فجأة سمعتها وهي تهمس وتقول” |الظل| الذي كان خلف الجدران”، كانت كلماتها ثقيلة بشكل غريب، وجعلتني أشعر برغبة غريزية لأن أختبئ بأبعد زاوية ممكنة، وكان صوتي يرتجف وأنا أسألها” ما هو هذا الظل؟ ماهي ماهيته وشكله؟” .
– لم أسمع منها أي رد، وهذه المرة لم أشعر بوجودها أبداً، وعندما رحلت كان هناك شيء قد تغير بالغرفة، وكنت قادرة على أن أشعر به من دون أن تخبرني أنها ستذهب، وبعد مرور عدة دقائق، كانت نيارلي تطرق باب غرفتي، صوت الباب كان مفاجئ ومربك بالنسبة لي وخصوصاً في الحالة التي أنا عليها، وحاولت أن أتحرك باتجاه الباب بشكل هادئ وأنا أشعر بالخوف حتى من ظلي.
-فتحت الباب ودخلت نيارلي الغرفة من دون أن تنطق بأي كلمة، وذهبت للسرير ووضعت الغطاء عليها ووجهها للجدار وظهرها باتجاهي، فاقتربت منها وعانقتها وكنت أشعر بارتجافها وخوفها، وكأنها كانت تطلب مني حمايتها من شيء ما، بدأ النوم يتسلل إلى أجفاننا ببطء، وحواسنا التي كانت في أعلى مستوى من الترقب بدأت تهدأ قليلاً.
– استيقظت صباحاً على ضوء أشعة الشمس على وجهي، ونيارلي تنظر لي وتراقبني أثناء نومي، وعندما فتحت عيناي قالت لي بصوت أقرب للهمس” شكراً”، وبعد هذه الحادثة مر أسبوع كامل قبل أن تأتي لزيارتي مرة أخرى من خلال الجدران.
 أيقظتني من النوم وقالت لي ” أعتقد أنه ينجذب للغة”، تثاءبت وأنا استيقظ من النوم، وكنت أحاول استيعاب عن أي شيء تتحدث وسألتها” عن ماذا تتكلمين”، وقالت لي بنبرة حماس وترقب بآن واحد وقالت” أتحدث عن الظل الذي خلف الجدران”.
– بدأت أتذكر تلك الليلة المخيفة، وسألتها “كيف كان ذاك الظل بالضبط؟ “، ردت وقالت لا أعرف لكنه شيء كبير وقديم، وكأنه أقدم من الوقت نفسه، وبدأ كلامها يتسم بالغرابة مرة أخرى فقلت لها:” ماذا يعني أنه أقدم من الوقت نفسه”،  قالت:” لا أعرف هذا ما أشعر به”، كانت دائماً عالقة بين العلم والمشاعر، وكأنها أخذت القليل من صفاتي وصفات أختي الكبرى سانا، وأصبحت قادرة على أن تفكر بطريقة تجريدية وبنفس الوقت كانت قادرة على أن تفكر بطريقتي العلمية لتحول أفكارها التجريدية لواقع.
– وكانت أحياناً تجعل مشاعرها تطغى على تفكيرها بالرغم من عدم وجود |دلائل علمية| توجه هذه المشاعر، وبعد كل ما رأيته، أصبحت مرنة لدرجة أنني قادرة على قبول أي فكرة تطرحها حتى لو كانت مجرد إحساس، وكنت متفاجئة من نفسي كيف أني لم أجادلها أو أطلب منها دليل، وأصبح لدي عقل مفتوح مقتنع بكل ماتقوله، وأني أنا صاحبة العقل المحدود.
فتاة تتكلم بلغة يفهمها كل البشر مع أنها لم تنطق بكلمة واحدة منذ عام ٢٠٠٣ - اختيار الصورة وفاء المؤذن
 فتاة تتكلم بلغة يفهمها كل البشر مع أنها لم تنطق بكلمة واحدة منذ عام ٢٠٠٣
 اختيار الصورة وفاء المؤذن 

– ثم قلت لها” ماذا يريد هذا الشيء؟”، وبصوت منخفض قالت “لا أعرف ولا أعتقد أنه يستطيع أن يتكلم هو يسمع فقط”، وكنت أسمع نبضات قلبي تتسارع كلما تحدثت عنه، وأكملت كلامها وقالت” هل تعرفين بأنه ليس الشيء الوحيد الموجود، هناك كائنات أخرى كبيرة وقديمة، لا يمكنهم رؤيتي فأنا لست في مكانهم، ولكن يمكنهم سماعي كما تسمعينني”.

-وهنا بدأت أخاف عليها وقلت لها” هل أنتِ في أمان”، لم تجب وعرفت أن هناك مخاطر كبيرة فيما تفعله، وقلت لها ” لو أعرف أن هناك خطر ماكنت وافقت على ذلك، يجب عليكِ أن تتوقفي”.
– ردت بنبرة غريبة تجمع بين الخوف والحماس وقالت “أعرف أني لست في أمان لكن هناك عوالم وأشياء كثيرة هناك، ولو ركزت على شيء معين فيها أستطيع رؤية ماضيه وكل مامر به من تجارب وأن أعيش كل ماعاشه، لقد رحلت لمدن لا يمكنك حتى تخيلها، مدن تلمع مصنوعة من الزجاج، أماكن ومجسمات عجيبة تجعل كل شيء في عالمنا يبدو أمامها كدمية أطفال، الليلة الماضية كنت أقف أمام ثقب أسود حقيقي عبرت من خلاله إلى |عوالم| لاتعد ولا تحصى”.
– استمرت نبضات قلبي بالخفقان وأنا أسمع كلامها، كنت مندهشة وخائفة في نفس الوقت، وكنت في حيرة من أمري، فكيف يجب أن تكون ردة فعلي، وهل من المعقول أنها كانت تعيش كل هذه التجارب العجيبة طوال الليالي الماضية، وكيف سأطلب منها أن تتوقف، ولو أني كنت في مكانها ما توقفت أبداً.
– شعرت بها تستجمع أنفاسها، وشعرت بنبرتها تغيرت من الحماس لنبرة أعمق، نبرة خوف وظلام، وهي تكمل كلامها” هذه الكيانات و|الأشياء الغريبة| مازالت موجودة، وأشعر بأنهم يلاحقوني من مكان لآخر، وأشعر أن الزمن لا يؤثر عليهم، وكأنهم موجودون في عدة أزمنة وأماكن في وقت واحد، وأحياناً أتألم عند رؤيتهم لأنني لا أراهم بشكل واضح”.

هل سوف تخضع نيارلي لطلب ديفيا أم لا

– كنت أفكر بكلامها ودموعي تنهمر من عيني وكنت عاجزة عن الرد عليها، وكنت أشعر بالألم وأنا أتقبل كلامها كحقيقة أن أختي الصغرى في خطر بسبب فضولها، حتى أنها أخبرتني بسعادتها لأنهم لا يستطيعون رؤيتها، ولكنها تخاف أن لايستمر لفترة طويلة، وتفاجأت من كلامها وسألتها عن سبب خوفها، فأخبرتني أن الظل كان موجود في غرفتها طوال الأسبوع.
-وطلبت منها أن تتوقف عما تفعله، وكان صوتي يرتجف من الخوف، وأجابتني وكان صوتها يرتجف من البكاء وقالت أنها لاتستطيع!! 
قلت لها “عودي إلى عالمنا وسوف نحاول معاً أن نكسر أي جهاز استخدمتيه لتقومي بهذه التجربة، بإمكاننا فعل شيء ما فقط ارجعي”، وللأسف كانت مصرة على موقفها بالرغم من أنني كنت أشعر بخوفها وشدة بكائها.
-وأخبرتني أنها لا تستطيع، وأنه من الصعب علي أن أفهم سبب مخاطرتها وما الذي أقحمت نفسها به، فهل يستحق الأمر كل هذا، وأخبرتني أنها لم تعد قادرة على التكلم بلغتنا، ومهما حاولت فلا يخرج من فمها إلا كلمات من تلك اللغة الغبية، مجرد خزعبلات وأصوات غريبة، وكلما حاولت أن تتكلم تشعر بالخوف أكثر.
– وقالت” أنا خائفة جداً يا ديفيا، فإنهم يستطيعون سماعي عندما أكون بهذه الحالة، حتى أنكم جميعاً أصبحتم مرئيين بالنسبة لهم، أشعر وكأني جذبتهم لمنزلنا وعالمنا، جميعنا في خطر عندما أكون في هذه الحالة، والوقت الوحيد الذي أستطيع الكلام فيه بشكل طبيعي عندما أكون هناك”.
-وكنت أشعر بأن قلبي يتقطع وأنا أسمع كل كلمة تقولها، وشعرت بأني مسؤولة عما وصلت إليه، فقد كان من المفروض أن أوقفها منذ أول مرة، وهمست لها بصوت حنون” يجب أن ترجعي مهما كان الثمن، لا يمكنك البقاء هناك”، وعندما أجابتني كانت لاتزال مستمرة بالبكاء وقالت” أعرف ذلك لكن لا أريد أن أخسرك وأخسر عائلتي، حتى أنني غير قادرة أن أتكلم معكم بشكل طبيعي”.
– ولم يكن هناك خيار آخر سوى أن ترجع، وشعرت بوجودها يختفي من الغرفة، وبعد مرور عدة دقائق، طرقت باب غرفتي، كانت تقف وهي ترتجف والدموع تملأ عينيها، ونامت في سريري، وفي الصباح كانت تنظر إلي وسألتها بكل هدوء” هل تستطيعين الكلام” وهزت رأسها بطريقة النفي.
-وشعرت من عينيها أنها تريد فعل شيء ما، وأشارت إلي لأقترب منها، ووضعت فمها بالقرب من أذني، ولا أعرف ماذا حدث، هل قالت شيء ما، أم أنها أصدرت صوت غريب، كلما ما أذكره أنني شعرت بشعور أسود وبشع جداً، لا تستطيع جميع الكلمات أن تعبر عن مدى بشاعته، وكأن |الظلام| ملأ المكان.
-شعرت بقشعريرة كانت تخترق جسدي، وكأن أحدهم يسقيني سم زعاف، أو يسحب جسدي على فحم مشتعل، ليومنا هذا لم أعش أفظع من هذه |التجربة|، هذه اللغة والكلمات لم تكن مصنوعة ليتكلم بها البشر، كانت خاصة بعالم ثاني، لم يكن من المفروض أن تدخل عالمنا.
– نظرت إلى نيارلي والدموع تملأ وجنتي، فمن المستحيل أن أكون قادرة على تخيل الآلام والمخاوف التي عاشتها، لم أستطع أن أفكر بشيء، فأنا لا أعرف كيف أساعدها، فقط عانقتها ووعدتها أن لا أتخلى عنها أبداً.
فما رأيكم بقصة نيارلي وهل هي خيال أم حقيقة من وجهة نظركم؟
بقلمي: تهاني الشويكي

تعليقات