القائمة الرئيسية

الصفحات

أخر المواضيع

هل الغاية تبرر الوسيلة ؟ قضية أكل لحوم البشر

هل الغاية تبرر الوسيلة ؟ قضية أكل لحوم البشر - اختيار الصورة ريم أبو فخر
هل الغاية تبرر الوسيلة ؟ قضية أكل لحوم البشر
 اختيار الصورة ريم أبو فخر 

سنتحدث عن قضية صعبة يتم تدريسها حتى الآن في أغلب الجامعات العالمية، وبسببها انقسم عشرات المفكرين ورجال القانون بين مؤيد ومعارض، حيث أن جزء كبير منهم يرى أن المتهمين مجرد ضحايا أبرياء، لا يجوز معاقبتهم، والقسم الآخر يؤمن بأنهم غير أبرياء ولابد من إعدامهم.

من هم البحارة اللذين ذهبوا في هذه الرحلة

عام ١٨٨٣م اشترى المحامي الأسترالي جاك  |يخت| صغير اسمه ” مينيونات “، لكي يستعمله كوسيلة مواصلات بين إنجلترا وأستراليا، و تحديداً من مدينة ساوثهامبتون بإنجلترا إلى ميناء سيدني في أستراليا، وبعد ذلك بدأ يبحث عن |طاقم| يساعده في الإبحار، ووقع اختياره على القبطان ” توم دادلي “، والبحار ” ايدمن ستيفنز “، والبحار ” ادمن بروكس “، ومراهق يتيم عمره ١٧ سنة اسمه ” ريتشارد باركر “، وكان عديم الخبرة في الإبحار، فقام بتوظيفه لإعداد الشاي، وتحرك اليخت في ١٩ مايو ١٨٨٤ لكي يقطع الرحلة التي مسافتها ١٦ ألف كيلو متر تقريباً.

لكن بعد مرور شهرين تعرض اليخت لعاصفة شديدة

 تسببت في غرقه، بعد أن قطع مسافة ٢٥٠٠ كيلو متر داخل المياه، وحينها أمر القبطان توم البحارة على اليخت أن ينتقلوا إلى قارب النجاة في أسرع وقت، وكان |قارب النجاة| هش وغير صالح للإبحار لمسافات طويلة، وهذا لأنه غير مجهز بمياه للشرب ولا طعام سوى علبتين من اللفت المجفف فقط، لكن البحارة سمعوا كلامه و قفزوا لقارب النجاة، في اليوم الأول هاجمتهم سمكة ضخمة، وظل البحارة الأربعة يصارعونها إلى أن ابتعدت عنهم، وبعد ذلك اتفقوا على توزيع قطع اللفت الموجودة في العلبة الأولى عليهم بالتساوي، وقرروا أن يأجلوا فتح العلبة الثانية لمدة يومين.

وبما أن الشاب المراهق ” ريتشارد باركر ” كان عديم الخبرة، فاقترح أن يشرب من مياه البحر بسبب العطش الشديد، لكن القبطان حذره من أن يفعل ذلك، لأنه سوف يصاب بأمراض خطيرة نتيجة ملوحة المياه، وظلوا يجاهدون في تجميع مياه المطر لمدة ثلاثة أيام، وكان كل شخص فيهم يحصل على قطرات قليلة جداً في اليوم، واستطاع البحار ادمن بروكس أن يصطاد سلحفاة بحرية، ساقتها الأمواج بالقرب من القارب، وفرت السلحفاة لهم كمية من اللحوم وزنها ١.٥ كيلو تقريباً، ولكنهم اتفقوا على عدم شرب دمائها، لأنه من المحتمل أن يكون سام ويتسبب بأمراض خطيرة، واستمروا على تناول لحوم السلحفاة، بالإضافة إلى قطع اللفت الموجودة في العلبة الثانية لمدة عشرة أيام تقريباً.

هل الغاية تبرر الوسيلة ؟ قضية أكل لحوم البشر - اختيار الصورة ريم أبو فخر
هل الغاية تبرر الوسيلة ؟ قضية أكل لحوم البشر
 اختيار الصورة ريم أبو فخر 

وبسبب |العطش الشديد| قرر المراهق ريتشارد باركر أن يشرب من مياه البحر، وهذا قد تسبب في إصابته بوعكة صحية شديدة، وظل راقد في أحد جوانب القارب، ودخل في غيبوبة، وعندما نفذ الطعام بدأوا يشعرون بالجوع الشديد، قرر القبطان أن يقوم بقرعة لاختيار شخص منهم ليأكلون لحمه. 

أي يجب أن يضحي شخص بنفسه لكي يعيش أصدقائه الثلاثة، لكن البحار ايدمن بروكس رفض أن يشارك في هذه القرعة، وصرح بأن المسافة بينهم وبين الشاطئ حوالي ١١٠٠ كيلو متر، وقال أنه من المؤكد سوف يجدون سفينة مارة من جانبهم وتنقذهم.

بعد مضي أربعة أيام دون أي تحسن للأوضاع

 بدأ يفكر القبطان توم ويذكر البحارة بأطفالهم وزوجاتهم، وأقنعهم بأن المراهق غير متزوج وليس لديه من ينتظره، وبعد ذلك قرر أن ينفذ الذي اقترحه، حيث كان |الجوع| ينهشه، فاستغل دخول المراهق ريتشارد باركر في غيبوبة، وأنه مصاب بالوهن والمرض، وقرر أن يضحي به لكي يتغذى على لحمه، بالإضافة لشرب دماؤه، فقام بقتله أثناء الغيبوبة وأكلوا الثلاثة من لحمه لمدة تسعة أيام.

في اليوم ١٩ على غرق اليخت

 مرت من أمامهم سفينة ألمانية وأنقذتهم ونقلتهم إلى إنجلترا، وتمت محاكمتهم بعد أن تم الكشف عن قصة قتل زميلهم المراهق عمداً مع سبق الإصرار، والقاضي أصدر ضدهم حكم بالإعدام شنقاً، فثار الشعب البريطاني وانقسم إلى مؤيد ومعارض، فإن جزء كبير من الشعب كانوا يرون أنه حكم عادل، بسبب قتلهم لزميلهم المريض، وجزء أكبر من الشعب مؤمنين بأنهم أبرياء، وهذا لأنهم كانوا في حالة استثنائية لإنقاذ حياتهم، وبدأوا يضغطون على ملكة بريطانيا لكي تعفو عنهم، لكن الملكة رفضت أن تتدخل في القضية، واكتفت بأن تعيد محاكمتهم مرة أخرى.

هل الغاية تبرر الوسيلة ؟ قضية أكل لحوم البشر - اختيار الصورة ريم أبو فخر
هل الغاية تبرر الوسيلة ؟ قضية أكل لحوم البشر
 اختيار الصورة ريم أبو فخر 

في إعادة المحاكمة للبحارة الثلاثة 

 صدر ضدهم حكم بالسجن لمدة ست شهور فقط ، إلا أن البحارة الثلاثة يرون أنه حكم غير عادل، وذلك لأنهم قتلوا زميلهم لأنهم كانوا مضطرين للتضحية بواحد من أجل |إنقاذ| ثلاثة، واختاروا أضعف شخص فيهم، والذي كان مصاب بمرض واحتمالية نجاته ضعيفة جداً، ورغم أن هذه الواقعة قد مضى عليها أكثر من قرن ونصف، إلا أنه يتم تدريسها حتى الآن في كليات الفلسفة والقانون في أغلب جامعات أوروبا، وتم تحويلها لعشرات الأعمال الأدبية والسينمائية، وقد تسببت في وجود معضلة فلسفية حيرت العقول.

الآراء المختلفة حول حكم البحارة الثلاثة

إن كانت الأفعال يتم تصنيفها كسلوكيات أخلاقية وغير أخلاقية ( في المطلق )، فالبحارة هنا ارتكبوا |جريمة قتل| يستحقون عليها حكم الإعدام، وهذا كان رأي الناس الذين يرون بأن البحارة يستحقون الإعدام، هؤلاء الناس يؤمنون بـ ” الأخلاق المطلقة “، و يمكن أن يكونوا غير متخيلين صعوبة الموقف وشدة الجوع والعطش، أما إن كانت الأفعال تخضع لمعايير تحقيق النتيجة والمنفعة العامة، وهذا بالعمل بمفهوم ” ميكيافيليا “، والذي معناه ” |الغاية تبرر الوسيلة| “، فالبحارة هنا أبرياء، لأنهم قتلوا زميلهم المريض لكي ينقذوا ثلاثة أفراد، وتبرير جريمة طاقم السفينة هنا يندرج تحت مسمى ” الفلسفة النفعية “.
* الفلسفة النفعية: هي فلسفة أخلاقية أسسها الفيلسوف الإنجليزي ” جيرمي بيرسم “، والتي تتلخص في ترجيح كافة الفائدة أو الخير على كافة الألم والمعاناة، مع اختلاف الوسائل والإجراءات الممكن الأخذ بها في سبيل ترجيح الكفة، وفي الأديان السماوية سنجد جدال أزلي في هذه المعضلة، والكثير من الفقهاء يتبنوا قاعدة الضرورات تبيح المحظورات، إلا أن بعض الفقهاء يؤكدون أن هذا الفعل محرم شرعاً مهما كانت الظروف قاهرة، أما عن رأيي فعلى الحياد، وكتابتي هي مجرد توضيح للفكرة من الناحيتين.
وهناك القليل من التساؤلات : 
إن فعل البحارة قرعة لاختيار شخص منهم، هل هذا يبرر جريمتهم؟ وهل لدى |القبطان| حل أسمى وأفضل من هذا الحل؟ مثلاً أن يضحي هو بنفسه بدلاً من المراهق.
هل تعتقد أن الجوع الشديد والعطش مع البحر والعزلة التامة سبب في عدم الاتزان العقلي لطاقم السفينة؟ 
وهل موافقة المراهق للتضحية بنفسه يعفو عن  طاقم السفينة ويحميهم من العقاب ويبعد عن تصرفهم وصف الجريمة؟ 
في الحقيقة فإن هذا الموضوع فيه تساؤلات كثيرة جداً ….
 شاركنا رأيك …
بقلمي: رهف ناولو

تعليقات