 |
| هل الثعلب مخلوق ماكر فعلاً اختيار الصورة رزان الحموي |
في الكثير من القصص التي سمعناها عندما كنا صغار، والتي كانت تصور لنا أن حيوانات الغابة يعيشون في أمان وسلام، وبمجرد ظهور شخصية معينة كل شيء يبدأ ينقلب، وتأخذ لقصة مجرى آخر من الأحداث كلها شر ومكيدة، أرانب صغيرة تنخطف، والخرفان تهرب، و طبعاً الشخصية التي كانت تقوم في كل هذه المصائب هي الثعلب، وحتى أن القصص لم تكن تذكر الثعلب فقط، وإنما يجب أن تذكر لقبه بجانب اسمه، وهو |الثعلب الماكر|.
في القصص والحكايات كان الثعلب دائماً هو الماكر، والذي كان السبب بأن يرسخ في أذهاننا أن الثعلب هو مخلوق شرير وماكر، ولكن ما هو مدى صحة هذا الكلام، وهل الثعلب مخلوق شرير بالفعل، كما صورته القصص لنا.
• السبب في وصف الثعلب بالماكر
و السبب وراء وصف الثعلب بالمكر، يعود إلى الطريقة التي يتميز فيها لاصطياد فريسته، ففي البداية يخطط لطريقة اصطياد الفريسة عن طريق دراسة تحركاتها، ولتوضيح طريقة تخطيطه وذلك من خلال الواقعة التي سجلها أحد علماء الأحياء في محمية دينالي الوطنية في آلاسكا، حيث شاهد العالِم سنجاب يتغذى على الحشائش داخل المحمية وفي نفس الوقت هناك ثعلب يراقب الأرنب من بعيد، ولما اقترب الثعلب من المكان السنجاب هرب بسرعة ونزل في نفق، وفي أقل من دقيقة خرج السنجاب من حفرة ثانية لا تبعد كثيراً عن الحفرة الأولى التي دخل بها السنجاب، وعندما شعر السنجاب بأمان رجع مرة أخرى إلى المكان الذي كان يأكل منه، و كل هذا الثعلب مازال يقف من بعيد ويراقب ماذا يحصل، ولما اقترب الثعلب مرة ثانية من السنجاب هرب السنجاب من جديد إلى نفس الحفرة التي هرب منها في المرة الأولى، ثم خرج من الحفرة الثانية التي خرج منها بالمرة الأولى حتى يأكل من جديد، ومن ثم رجع الثعلب إلى السنجاب للمرة الثالثة حتى يخوفه، ثم ذهب إلى الحفرة الثانية التي يخرج منها السنجاب، ولما خرج السنجاب للمرة الثالثة كان مصيره داخل فم الثعلب.
و هذا المثال من أكثر الأمثلة التي توضح سلوك الثعلب في التعامل مع طريقة التخطيط التي يتبعها لاصطياد فريسته، فهو مخلوق غاية في |الذكاء| و|الدهاء| وينتبه إلى جميع التفاصيل التي تحصل من حوله.
• كشف خطط الصيادين
الثعالب معروفة في قدرتها على التفكير، واكتشاف خطط الصيادين، و بالرغم من أن معظم الصيادين يستعينوا في كلاب مدربة لاصطياد الثعالب، إلا أن الثعالب تسطيع أن تخدعهم بسهولة، ومن النادر أن يستطيع الصياد في اصطياد ثعلب من دون أن يتعبه.
 |
| هل الثعلب مخلوق ماكر فعلاً اختيار الصورة رزان الحموي |
• تكيفه مع البيئة
غذاء الثعالب غير متوقف على الفريسة فقط، من الممكن أن يعيش على الغذاء النباتي، وحتى ممكن أن يتغذى على اللحوم والحشرات، وهذا يعني أن الثعلب يتغذى على الثديات والقوارض والطيور والأسماك، وبعض الحشرات الكبيرة مثل الجراد والخنافس، وبالعموم إن الثعلب ينوع في غذائه كنوع من التكيف مع البيئة المحيطة به للمحافظة على بقائه، وحتى لا يموت بسبب الجوع.
وغذاء الثعلب في فصل الصيف والربيع والخريف يميل إلى الفواكه والمكسرات، وفي فصل الشتاء يعتمد في غذائه على أكل اللحوم، وخاصة أن النباتات في فصل الشتاء تكون نادرة قليلاً.
وفي حالات الضرورة ممكن أن يبحث الثعلب في قمامة عن الغذاء من مخلفات البشر.
وكما أن الثعلب يستطيع أن يعيش بكل أحوال الطقس، وبما أن الثعلب من أصحاب الدم الحار فهو يستطيع أن يعيش في درجات حرارة ممكن أن تصل إلى أقل من ٤٠ درجة مئوية تحت الصفر، لذلك الثعالب ممكن أن تستعمر أي مكان على سطح الأرض.
• طريقة اصطياد الثعلب للفريسة
أما عن طريقة صيد الثعالب للحيوانات التي تأكلها، فالثعالب لا تقوم بالصيد إلا مع سكون الليل، وبالرغم من ارتباط الثعالب بالكلاب، و بالأصل الثعالب هي من فصيلة الكلاب، لكنها لا تصطاد في مجموعات أي أن الثعلب عندما يريد الصيد يصطاد لوحده، وهذا دليل على أن الثعالب قوية جداً، ومسيطرة لأقصى الدرجات، وسيطرة الثعالب تصل لدرجة أن الثعلب الواحد يستطيع أن يسيطر على قطعة من الأرض تتراوح مساحتها مابين ٢ كيلو متر إلى ٧ كيلو متر مربع، ويحدد الثعلب قطعة الأرض التي يريدها مثل باقي الحيوانات عن طريق التبول ورسم خريطة له من خلال رائحة البول الخاصة به، وبذلك تكون هذه الأرض له، وغير مسموح لأي أحد الاقتراب منها، وكل خيرات هذه الأرض ملك له وحده فقط.
وعلى الرغم من أن الثعلب يتجول في قطعة الأرض الخاصة به، إلا أنه ليس من السهل على أي شخص أن يرى الثعالب ويكتشف أماكنهم، والسبب يعود إلى أن الثعلب يبني جحوراً وأوكاراً تحت الأرض ويتخفى فيها، وكما أنه يستخدمها أيضاً مخزن للطعام والمؤن الخاصة به.
ومن التصرفات الغريبة التي تتصرف فيها الثعالب أثناء |الصيد|، بأنها في بعض الأحيان تنتظر طعامها يأتي إليها، ويحصل هذا عندما تقرر الثعالب في أنها تلعب، كأن يتمدد الثعلب تحت الشجرة ويمثل بأنه ميت، وأول ما يقترب منه أي متطفل يكون نصيبه بأن يصطاده الثعلب، وأيضاَ من صفات الثعالب أنها في الحقيقة |طماعة| لأن لو توفر له عدد كبيرة من الفرائس لا يكتفي فقط بالكمية التي تشعره بالشبع، لكن سوف يصطاد أكبر عدد منهم يأكل ما يريد والباقي يخزنه، وذلك عندما يجوع ولا يجد أي طعام يأكل من المخزن لديه.
 |
| هل الثعلب مخلوق ماكر فعلاً اختيار الصورة رزان الحموي |
• استخدام المجال المغناطيسي للأرض
بالإضافة إلى |تخطيط الثعلب| ودراسة تحركات فريسته لاصطيادها، إلا أن من الأشياء الغريبة التي يعتمد عليها الثعلب أثناء الصيد، هي المجال المغناطيسي للأرض، أي أن يكون ثعلب يسير بشكل عادي في أرض جليدية و فجأة و في مرة واحدة يقفز للأعلى ثم ينزل و بكل قوته حتى يخترق الجليد و من ثم يخرج و معه فريسته، الموقف في الظاهر يبدو وكأنه غريب وغير مفهوم سبب قيامه بذلك، لكن الذي حصل هو بسبب استخدام الثعلب أو إحساسه بالمجال المغناطيسي للأرض، و شبه العلماء هذا الموقف وكأن الثعلب يمتلك بوصلة داخلية في جسمه تحدد له الاتجاه، و على الرغم من أن هذه الخاصية تستخدمها حيوانات أخرى مثل الغزلان والأبقار والطيور والنحل، إلا أن الثعالب هي من الحيوانات الأولى التي تستخدم المجال المغناطيسي للأرض حتى تحكم على المسافات و ليس فقط الاتجاهات، وهي السبب أيضاً في الدقة الكبيرة لهجمات الثعالب.
• حواس الثعلب
و في جانب كل الأدوات السابقة فإن الثعلب يمتلك الحواس المتطورة التي تسهل عليه مغامراته في الصيد، وأولها حاسة السمع عند الثعلب القوية جداً، حيث أن الثعلب يستطيع أن يشعر عن مكان |الفريسة| حتى لو كانت تحت الثلج بمسافة كبيرة، وبسبب قوة حاسة السمع لديه يطلق على الثعلب لقب |الخفاش ذو الأذنين|، هذا ليس فقط بسبب حجم الأذنين لديه، ولأنه أيضاً يسمع معظم الترددات المنخفضة، فهو يسمع صوت الحشرات بكل وضوح وهي التي تعتبر من الوجبات المفضلة عند الثعالب.
وبالنسبة لحاسة البصر فإن الثعلب يتمتع في رؤية قوية، ويطلق عليها الرؤية ثنائية العين، أي أن كل عين لديه تستطيع أن ترى نفس المشهد لكن بشكل مختلف قليلاً عن العين الأخرى، والرؤية الثنائية تحديداً تسمح وتسهل على الدماغ حساب المسافات بأعلى دقة.
كل هذه الأسباب التي دعت إلى إعطاء الثعلب لقب |المكار|، ولكن أيضاً هذه الصفات نفسها تدل على ذكاء الثعلب، فهو حيوان شاطر لأن المكر والشر لا يمكن أن تكون صفة للحيوان بمجرد أنه يريد أن يحصل على غذائه، فمن الغير الممكن أن نصف الأسد والنمر بأنهم حيوانات شريرة والسبب أنهم يتغذون على اللحوم، وكذلك لا يمكن ربط صفة المكر في الثعالب.
ومن أسباب إعطاء الثعلب صفة المكر يعود إلى القصص والحكايات التي يعود تاريخها للحضارات القديمة، ولا شك أن براعة الثعلب هي التي ألهمت العدد الكبير من الثقافات والتي كانت السبب لإبراز الثعلب في صورة الحيوان المخادع.
بقلمي: ربا
تعليقات
إرسال تعليق