رحلة الانسان مع الطيران منذ القدم – ريم أبو فخر |
بداية الحلم:
منذ القدم، نسج الانسان الكثير من الأساطير حول السماء ومكنوناتها، وكم حلم بالصعود إليها وسبر أغوارها، وكم تأمّل الطيور وتساءل عن سر قدرتها على الطيران، وكم حاول تقليدها. ومثل الكثير من الأحلام، بدأ حلم الانسان بالطيران يتحقق عندما أعمل عقله وشحذ همته وتخلّى عن الأساطير والأوهام.
المحاولات الأولى:
لا نعرف بالضبط من هو أول إنسانٍ حاول |الطيران| بتقليد الطيور، ولكننا نعرف عالماً عربياً صنع بزّةً من الريش، وصنع لها جناحين، وحلّق عالياً بها لبعض الوقت، إنه عباس بن فرناس، ورغم نجاح محاولته في الطيران والتحليق، إلّا أنه فشل في تحقيق الهبوط الآمن، لأنه لم ينتبه لأهمية الذيل ودوره في عملية الهبوط، فانتهى به الأمر محطّماً فوق الصخور، وبذلك توقفت محاولته عند هذا الحد، ولم نسمع عن أحد غيره حاول تكرار تلك التجربة، رغم الكثير من الرسومات والمخططات التي حاولت وضع تصورٍ ما لآلةٍ تشبه الطائرة وتحمل الانسان في الهواء، ومن أشهر تلك المخططات ما تركه |ليوناردو دافنشي| من رسوماتٍ لنماذج وتصاميم أوليةٍ لما يشبه الطائرة ولكن تصميماته بقيت حبراً على ورق لزمنٍ طويل.
فكرة عبقرية لم تتحقق:
بقي حلم الانسان في الإبحار فوق الأثير يراوده لقرونٍ وقرون، وكم حاول رسم المخططات وتخيّل الأشكال التي ستسمح له بذلك يوماً ما، ومن ضمن الاقتراحات العلمية لتحقيق ذلك الحلم، ما نشره عالمٌ يدعي |تيرزي| في عام 1670 حول استخدام كراتٍ من النحاس المفرغة من الهواء، ما يجعلها أخفَّ وزناً، وقادرةً على الارتفاع فوق الهواء، ورغم صحة الفكرة نظرياً، إلا أن تحقيقها لم يكن ممكناً، لأن ضغط الهواء حول تلك الكرات سيكون كافياً لسحقها، ولذلك لم يحاول أحدٌ تحويل هذه الفكرة إلى حقيقة.
أول منطاد نجح في حمل الانسان في الهواء:
بقيت فكرة |المنطاد| الخالي من الهواء غير قابلةٍ للتطبيق، حتى أواسط القرن الثامن عشر، عندما نجح الأخوة |مونتجلفير| بصناعة منطاد مملوء بالهواء الساخن، وتمكنوا من جعله يطير لمسافة ثمانية كيلو مترات وهو يحمل عدداً من الركاب. بعد ذلك أدركت الحكومة الفرنسية أهمية المنطاد ولاسيما في المجال العسكري فأسّست شركةً لتصنيع المناطيد، خاصةً بعد أن وضع |نيوتن| قوانينه الجديدة في علم الحركة والتحريك فأصبح كل شيءٍ خاضعاً للعلم وقابلاً للتحقيق. وبعد اكتشاف غاز الهيروجين في منتصف القرن التاسع عشر أصبح المنطاد عملياً أكثر لأنه لم يعد بحاجةٍ لتسخين الهواء فالمنطاد المملوء بالهيدروجين سيرتفع تلقائياً فوق الهواء، ولكن عملية التحكم بالمنطاد بقيت مشكلةً قائمة.
مشكلة وحلول:
رغم نجاح منطاد الأخوة مونتجلفير في الطيران والهبوط، إلّا أنّ طيرانه كان حرّاً، بمعنى أنه غير متحكَّمٍ به، فبقيت المحاولات قائمةً لصنع منطادٍ يمكن توجيهه والتحكم به، حتى نجح الفرنسي هنري جيفارد بصنع منطادٍ يمكن توجيهه باستخدام المحرك البخاري سنة 1852، وتمكن من الطيران به لمسافة 24 كيلومتر. وفي العام التالي نجح جورج كايلي بصنع طائرةٍ شراعيةٍ حملت طياراً وانطلقت به من تلٍ مرتفع، بعد أن نجح بتحديد القوى المسيطرة على حركة الطائرة، وعرف كيف يحقق التوازن بينها، وهي قوة الدفع، وقوة السحب، وقوة الثقل، وقوة الهواء الرافعة، ومن هنا بدأ ما يُعرف اليوم بعلم مقاومة الهواء
تعليقات
إرسال تعليق