القائمة الرئيسية

الصفحات

أخر المواضيع

كيف يخدعك الكم الهائل من الإعلانات في شهر رمضان ومن الخاسر بسببها

كيف يخدعك الكم الهائل من الإعلانات في شهر رمضان ومن الخاسر بسببها - اختيار الصورة ريم أبو فخر
 كيف يخدعك الكم الهائل من الإعلانات في شهر رمضان ومن الخاسر بسببها
 اختيار الصورة ريم أبو فخر

ما هدف الإعلانات في رمضان

يختلف |شهر رمضان| عن باقي شهور السنة، لأسباب كثيرة من ضمنها أسباب تجارية واقتصادية بحتة، حيث ننفق في الوطن العربي مليارات من الدولارات في هذا الشهر، على الكثير من المنتجات والخدمات، وخصوصاً المنتجات الغذائية.

 جزء كبير من هذا الإنفاق يحفزه الكم الرهيب من |الإعلانات| التي نتعرض لها أثناء مشاهدتنا التلفاز، خصوصاً وأن نسبة مشاهدة التلفاز ترتفع جداً خلال رمضان، في كل سنة نرى صور إعلانات جديدة، ربما تكون تفاصيل الإعلانات مختلفة، ولكن في النهاية تدور حول نفس الهدف، وهو دفعك لإنفاق أكبر قدر ممكن من أموالك على الخدمة أو المنتج الذي يروج له هذا الإعلان، وهدفهم الأول أن تكون زبون دائم لهم ويتصف بالولاء لهم. 

هناك العديد من الشركات في وقتنا الراهن تخصص جزء كبير من ميزانيتها التسويقية لصالح الإعلانات في شهر رمضان، من أجل أن تصل لعقول أكبر قدر ممكن من المستهلكين وبالتبعية لجيوبهم.

الدولار الذي يتم صرفه على الإعلان، يكون هدف الشركة أن تعيده على الأقل عشرة دولار، والنتيجة وجود أشخاص تصرف الأموال على أشياء ليست بحاجتها، بينما في المقابل هناك أشخاص لا تملك الأموال لتجربة هذه المنتجات، موضوع الإعلانات في شهر رمضان تحديدا ًمعقد جداً، في كل عام تحدث فوضى شديدة في سوق الإعلانات تضر |المشاهد| من ناحية، وتضر |الشركات المعلنة| من ناحية أخرى.

لماذا كلمة تتردد في عقل المشاهد!

طوفان من الإعلانات يغرق شاشات التلفاز في رمضان، كيف تؤثر الإعلانات التلفزيونية على نفسية وقرارات المشاهدين؟ 

ولماذا تزيد وتيرتها في رمضان؟

وما هو سر الإعلانات الكثيرة في رمضان ولماذا تحديداً في هذا الشهر؟

متى بدأ هذا الموضوع وكيف؟ 

وهل هذه الإعلانات تفيد الشركات فعلاً؟ وماهي قصة الإعلانات التلفزيونية؟

أول إعلان تلفزيوني

منذ حوالي ٨١ عاماً وتحديداً في ١تموز من عام ١٩٤١، كانت الجماهير في أمريكا أمام |التلفاز| بانتظار مباراة بيسبول مهمة، وقبل أن تبدأ المباراة ظهر على الشاشة إعلان لماركة ساعات (Bulova)، والذي كلف الشركة في ذلك الوقت حوالي تسعة دولار، والشيء المميز أنه كان أول إعلان تجاري في التاريخ، يتم إذاعته على شاشات التلفاز، ولكن لم يرى أحد هذا الإعلان إلا مجموعة صغيرة من الناس، لأن عدد الأسر التي كانت تملك تلفاز في أمريكا قليل جداً، وهذا كان أحد الأسباب في عدم اهتمام معظم الشركات في |الإعلانات التلفزيونية|، فقد كانت |إعلانات الصحف| أفضل بمئة مرة، لأنها تصل لأعداد أكبر وشريحة أوسع.

ولكن من الأربعينات حتى يومنا الحالي، هناك الكثير من الأمور قد تغيرت، لأن الأغلبية الكاسحة من الأسر في كل أنحاء العالم، تمتلك  تلفاز واحد على الأقل، فإن عدد الأسر التي تملك جهاز تلفاز في الوطن العربي عام ٢٠١٧، في مصر ٢٠مليون و٣٠٠ ألف أسرة تمتلك جهاز تلفاز، وفي الجزائر٧ مليون و٥٠٠ ألف أسرة، وفي المغرب ٦ مليون و٣٠٠ ألف أسرة، وفي السعودية ٥ مليون و ٥٠٠ ألف أسرة الخ….

والسؤال المهم هنا أن الأسر التي تمتلك تلفاز ماهي نسبتها من كل الشعب؟

كيف يخدعك الكم الهائل من الإعلانات في شهر رمضان ومن الخاسر بسببها - اختيار الصورة ريم أبو فخر
 كيف يخدعك الكم الهائل من الإعلانات في شهر رمضان ومن الخاسر بسببها
 اختيار الصورة ريم أبو فخر

-أما بالنسبة للأسر التي تمتلك تلفاز من كل شعب، سنأخذ مثال على ذلك مصر والتي تشكل ٨٧% من الأسر تمتلك تلفاز، أما السعودية فإن النسبة تصل ١٠٠%، حرفياً نحن قد وصلنا في الوطن العربي إلى وجود تلفاز في كل منزل، وهذا التلفاز ليس مجرد ديكور للمنزل، وإنما يتم شرائه لمشاهدة ما يعرض عليه، في عام ٢٠٢٠ كان الناس في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يشاهدون التلفاز وسطياً ٣٣٩ دقيقة يومياً، والذي يعني ستة ساعات تقريباً في المتوسط باختصار فإن أغلبنا لديه تلفاز في منزله. 

أهمية التلفاز بالنسبة للشركات

ومن هذه النقطة تأتي جاذبية التلفاز كوسيلة إعلانية للشركات، التي تسعى لتسويق منتجاتها لأكبر قدر ممكن من الناس، من أجل أن تحقق أكبر مبيعات ممكنة، في عام٢٠٢١، صرفت الشركات على مستوى العالم ١٧١مليار دولار على إعلانات التلفاز، من ضمنهم ٢،٤مليار دولار تم صرفهم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والجزء الأكبر من هذه الأموال تم صرفه في شهر رمضان. 

لماذا النسبة الأكبر من الأموال تصرف في رمضان 

في آخر عشرين سنة وتحديداً في الألفية الثالثة، بدأت شركات |الإنتاج التلفزيوني| تركز بشكل كبير على |الموسم الرمضاني|، وذلك من خلال حرصها على عرض أهم إنتاجاتها في هذا الشهر، وفي السنوات الأخيرة بدا التركيز على رمضان واضح جداً، لدرجة أغلبية الشركات أصبحت تعمل طوال السنة من أجل أن تقوم بعرض برامجها ومسلسلاتها في رمضان فقط، وهذا مع الوقت انعكس على |نسب المشاهدة التلفزيونية| في رمضان، والتي تتزايد مقارنة مع أي وقت آخر في السنة. 

استطلاعات رأي

في عام ٢٠١٨، شبكة (NETFLIX) أرادت فهم عقلية المواطن العربي في رمضان، وتواصلت مع شركة البيانات البريطانية (YouGov)، التي قامت باستطلاع للرأي سألت فيه ١٥٤٨مواطن من مصر والسعودية والإمارات، أعمارهم تجاوزت ١٨ عاماً، سؤال بسيط جداً وهو كيف يقضون يومهم في رمضان، وحسب هذا الاستطلاع فإن نسب مشاهدة الناس للتلفاز في رمضان تزيد بحوالي ٧٨% عن الأيام العادية، ونحن هنا نتكلم عن ثلاثة ساعات إضافية عن الأيام العادية، وذلك يعني تسعون ساعة شهرياً. 

الفوضى الإعلامية

من هو المهتم الوحيد بهذه الأمور ويحاول الاستفادة منها بشكل كبير لصالحه؟! 

|المعلنين| أو الشركات التي تسعى إلى |تصميم إعلانات| لمنتجاتها وخدماتها، مثل ما يوجد زحمة في الإنتاج التلفزيوني في رمضان، أيضاً هناك زحام في الإعلانات، فهناك تخمة في أعداد الفواصل الإعلانية المعروضة خلال البث التلفزيوني في رمضان، لدرجة أن الناس باتت تشعر بأنها تشاهد إعلانات يتخللها برامج ومسلسلات وليس العكس، ولكن المشكلة ليست في عدد |الفواصل الإعلانية| فقط، وإنما في الوقت الذي تستغرقه الإعلانات، فمن المفروض وجود قواعد تحكم هذه القصة. 

ولكن هل تطبق هذه القواعد يا ترى؟!! 

كيف يخدعك الكم الهائل من الإعلانات في شهر رمضان ومن الخاسر بسببها - اختيار الصورة ريم أبو فخر
 كيف يخدعك الكم الهائل من الإعلانات في شهر رمضان ومن الخاسر بسببها
 اختيار الصورة ريم أبو فخر

القواعد التي من المفروض أن تحكم موضوع الإعلانات في رمضان 

هذه القواعد تطبق في الكثير من الدول عدا الدول العربية، على سبيل المثال في عام ٢٠٠٦، أصدر الاتحاد الأوروبي قانون يلزم فيه كل القنوات الأوروبية، أن تكون مدة فواصلها الإعلانية لا تزيد عن اثنا عشر دقيقة لكل ساعة من البث التلفزيوني، وفي عام ٢٠٠٨، عندما قامت |القنوات| التي تقوم بعرض المسلسلات الإسبانية بانتهاك هذا الشرط، حيث وصلت فواصلها الإعلانية إلى خمسة عشر دقيقة في الساعة، هددت المفوضية الأوروبية إسبانيا إذا لم تلتزم بقواعد الاتحاد، سوف ترفع عليها قضية أمام محكمة العدل الأوربية. 

الفرق بين أوروبا والوطن العربي بما يخص الإعلانات

– مقارنة مع أوروبا، عندنا في الوطن العربي تتجاوز الفواصل الإعلانية بكل بساطة، حاجز العشرين دقيقة في الساعة، ومن الممكن أن تصل بدون مبالغة إلى ثلاثين دقيقة في الساعة، وهذا الأمر لا يصب في مصلحة أحد من جهة المشاهد الذي يشعر بضيق وانزعاج من كثرة الإعلانات، ومن جهة أخرى الضرر الذي يلحق بالشركات المعلنة، لأنه في ظل هذه الظروف، فإن الإعلانات التي دفعت عليها مبالغ طائلة لا تكون فعالة، ولا تحقق لها النتائج التي تسعى إليها. 

السبب في عدم فعالية الإعلانات 

– إن أي إعلان مهما كان مضمونه، سواء كان إعلان لمشروب معين أو ملابس أو اسمنت أو حتى حديد تسليح أو أي شيء آخر مستهلك، فإن هناك ثلاثة عناصر أساسية لنجاحه، وهي محتوى الإعلان وإثارة الانتباه والإقناع. على سبيل المثال، شخص يمتلك شركة في مجال تصنيع الأحذية يسعى لزيادة مبيعاته عن طريق إعلان، وأول شيء يجب أن يركز عليه هو محتوى الإعلان، ومن ثم يجب أن يحقق الشرط الثاني وهو لفت انتباه الناس لمشاهدة الإعلان، عن طريق اختيار وسيلة لعرضه بحيث يصل لأكبر عدد ممكن من المستهلكين المحتملين، وبالطبع يجب أن يتوجه تفكيره للتلفاز الذي يوفر سرعة الوصول للناس، وبعد ذلك سوف يواجه مهمتان في غاية الصعوبة، وهما جذب المشاهد وإقناعه، فهو يدفع مبالغ طائلة للقناة التلفزيونية حتى يتمكن من الوصول للمشاهد، ومن الممكن أن يصل الإعلان ولكن ليس شديد التأثير لإقناع المشاهد، أو أن يصل للمشاهد ولكنه غير ملفت لنظره، فالهدف من وراء الإعلان هو دفع المشاهد للقيام بسلوك معين، وهو شراء المنتج الذي يتم الإعلان عنه، |وصول الإعلان| للمشاهد مختلف عن لفت نظره، لأن كل الإعلانات التي يتم عرضها على التلفاز تصل للمشاهد، ولكن ليس جميعها يلفت انتباهه، لأن معنى لفت الانتباه أن الإعلان كان جذاب بشكل كافي، لدرجة يكون المشاهد مهتم لمشاهدته حتى النهاية، وهذا لا يحصل مع كل الإعلانات، فهناك الكثير منها تدفع المشاهد لتغيير المحطة التلفزيونية، وهذا لا يصب في مصلحة المعلنين، لأن الهدف من وراء هذا الإعلان لم يتحقق. 
هل أنت عزيزي القارئ ممن يشاهد جميع الإعلانات؟ 
كيف يخدعك الكم الهائل من الإعلانات في شهر رمضان ومن الخاسر بسببها - اختيار الصورة ريم أبو فخر
 كيف يخدعك الكم الهائل من الإعلانات في شهر رمضان ومن الخاسر بسببها
 اختيار الصورة ريم أبو فخر

أسباب ضعف اهتمام المشاهد بالإعلانات

– إن المشكلة في عدم الاهتمام بالإعلانات تزداد، عندما يكون هناك تخمة في عدد ومدة والإعلانات المعروضة، الدراسات الأكاديمية التي أجريت على هذه النقطة بالتحديد، تقوم بتلخيص أسباب ضعف اهتمام وانتباه المشاهدين تجاه الإعلانات في أربع نقاط:
١- فوضى الإعلانات: حيث أن المستهلك يتعرض في وقتنا الحالي لكم هائل من الإعلانات.
٢- عدم الثقة: يزيد لدى المشاهد مع مرور الوقت الإحساس بعدم الثقة في |محتوى الإعلانات|، أو الرسائل التي يحاول المعلن إيصالها له. 
٣- محدودية قدرة المشاهد على الانتباه: مثال على ذلك، عندما يتم قطع برنامج أو مسلسل تلفزيوني بأكثر من إعلان، هذا يؤدي إلى عدم قدرة المشاهد على التركيز، ويكون تركيزه على أول إعلانين فقط، وهذا هو السبب في ارتفاع سعر أول إعلان في الفاصل. 
٤- انتشار الوسائط الإعلامية: باختصار بإمكان المشاهد أن يغير |المحطة التلفزيونية| عند مرور أول ثانية في الفاصل الإعلاني، أو أن يستخدم هاتفه المحمول بينما ينتهي الإعلان، كل هذه الأمور تنافس التلفاز في هذه اللحظة على انتباه المشاهد.
ومحصلة كل هذا أن الشركات تدفع أموال أكثر في رمضان، من أجل أن تقنع المشاهد بخدمتها أو منتجها، وفي النهاية فإن مردود الإنفاق الإعلامي يكون ضعيف أو على عكس التوقعات، بسبب عدم انتباه المشاهد للإعلانات في ظل التخمة التي تعاني منها.

الموقف من الإعلانات

وهذا الكلام لا يدل ع الوقوف ضد الإعلانات، لأنها تلعب دور مهم جداً في النشاط الاقتصادي لأي بلد، خصوصاً في ظل حقيقة أن الأنفاق الاستهلاكي هو المحرك الرئيسي لمعظم الاقتصادات، و|الإعلام| يحفز الإنفاق الذي يتحول على شكل مبيعات للشركات المعلنة، والتي تترجم بعد ذلك بصورة أجور للموظفين، ويتم صرف هذه الأجور على منتجات وخدمات لشركات أخرى.

ماهي المشكلة مع الإعلانات

تبدأ المشكلة عندما تحفز الشركات الناس على صرف أموالهم، على رغباتهم وليس على احتياجاتهم الحقيقة، فالحاجة هي شيء ضروري مثل الأكل والشرب، أما الرغبة فهي شيء أنت تريده لكنك لست بحاجة ملحة له، وهناك إعلانات مصممة بحرفية عالية، تجعل الإنسان يشعر باحتياجه الشديد لشيء لم يكن يعرف عنه أي شيء حتى لحظة مشاهدته للإعلان.

فهل الإعلانات تجعل الناس سعداء أم تعساء

في عام ٢٠١٩، أربع باحثين من جامعات مختلفة ألمانية واسكوتلندية و إنكليزية وسويسرية، حاولوا الإجابة على هذا السؤال، في دراسة تحت عنوان الإعلام كمصدر لعدم شعور الإنسان في الرضا، وشملت هذه الدراسة بيانات ما يقارب مليون مواطن أوروبي في ٢٧ دولة، على مدار ثلاثة عقود وتحديداً من عام ١٩٨٠حتى٢٠١١، وأحد أهم استنتاجات هذه الدراسة هو وجود علاقة عكسية بين شعور المواطنين بالرضا عن حياتهم، وبين حجم المبالغ التي يتم إنفاقها على الإعلانات في بلادهم، وباختصار كلما زاد |الإنفاق الإعلاني| في البلد كلما أصبح مواطني هذا البلد أقل رضا عن حياتهم. 
واعتقد أننا في الوطن نعاني من نفس المشكلة وخصوصاً في رمضان، كمية هائلة من الإعلانات لمنتجات وخدمات يتم تسويقها لأشخاص جزء كبير منهم غير قادر على دفع ثمنها.
سؤال للنقاش عزيزي القارئ
كم ساعة تشاهد التلفاز في شهر رمضان؟ 
وهل حدث أنك قمت بشراء منتج بناءً على إعلان شاهدته؟ 
بقلمي: تهاني الشويكي

تعليقات